الاقليات القومية القفقاسية في العراق تعلن عن هويّتها ومطالبها على نحو رسميّ للمرّة الأولى


السليمانيّة: يحاول ممثلو عشائر القفقاس العراقيّة من "شركس وشيشان وداغستان" الانخراط تحت تسمية واحدة هي "الشركس والشيشان والداغستان"، وبما يمثّلون، سعياً إلى توحيد جهودهم ومطالبهم على نحو مماثل لسعي المسيحيّين العراقيّين إلى توحيد أنفسهم تحت التسمية القوميّة "الكلدو آشوريّين السريان". وتعكس هذه التسمية المشتركة الرغبة في تقديم جسم موحّد يمثّلهم، إسوة ببقيّة الأقليّات العراقيّة المختلفة. وفي محافظة السليمانيّة التابعة لإقليم كردستان العراق، اجتمع ممثلون عن الشركس والشيشان والقوقاس الخميس بـ24 تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2016 في لقاء ضمّ ممثلين عن الأقليّات في السليمانيّة عقدته "مؤسّسة مسارات للتنمية الثقافيّة والإعلاميّةMCMD " للمطالبة بإدراجهم ضمن الأقليّات العراقيّة وإعلان مطالبهم رسميّاً من خلال المؤتمر.

ولخّص زعيم الشركس في العراق أحمد كتاو لـ"المونيتور" هذه المطالب بما يلي: أوّلاً، اعتراف الدستور العراقيّ الإتحاديّ بقبائل القفقاس العراقيّة من الشركس والشيشان والداغستان، ضمن بقيّة الأقليّات الأخرى المعترف بها رسميّاً، ثانياً إدارج أسمائهم ضمن الأقليّات العراقيّة المشمولة بحماية مسودّة قانون حقوق الأقليّات، الذي تعمل مؤسّسة مسارات على تقديمه إلى البرلمان العراقيّ الإتحاديّ. ثالثاً وأخيراً، ضمان حدّ أدنى من تمثيلهم في البرلمان الإتحاديّ من خلال نظام كوتا الأقليّات، إسوة ببقيّة الأقليّات العراقيّة التي حازت على كوتا.

ويعود سبب تأخّر عشائر القفقاس العراقيّة في التقدّم بمطالبها إلى عدم تشكيلها تيّاراً سياسيّاً يمثّلها على صعيد رسميّ، فضلاً عن عدم الإتّفاق على زعامات موحّدة يمكن لها التقدّم بهذه المطالب.

وشرح أحمد كتاو لـ"المونيتور" أسباب عدم تأسيس حزب أو تيّار سياسيّ بقوله: "لم نؤسّس حزباً سياسيّاً، لكنّنا بدأنا بتأسيس جمعيّة التضامن الخيريّة في عام 2004 ومقرّها الرئيسيّ في كركوك. وبصفتي ممثّلاً للشراكسة في العراق، عملت نائباً لرئيس الجمعيّة، وتمّ ترشيح رئيس للجمعيّة من المكوّن الشيشانيّ، في حين كان السكرتير من المكوّن الداغستاني. وجرت الإنتخابات من قبل الهيئة العامّة البالغ عددها 450 شخصاً، ولكن بسبب الظروف الأمنيّة لم نتمكّن من تحويل الجمعيّة إلى تشكيل سياسيّ، ويضاف إلى ذلك خوفنا من الوقوع تحت هيمنة التيّارات السياسيّة الكبرى في حال إعلان التيّار السياسيّ المستقلّ".

وشدّد ممثّل الداغستان في جمعيّة "التضامن" الدكتور عدنان عبد الباري على أهميّة العمل المشترك بين ممثلي العشائر المنحدرة من الشمال القفقاسيّ، وقال: "إنّ عشائر الأديغة (الشركس) والداغستان والشيشان تعتبر أبناء عمومة ومن أصل واحد، يميّزها عن الأقوام الأخرى تاريخها وجغرافيّتها وثقافتها وعاداتها المشتركة، وهي تحمل هويّة شعوب الشمال القفقاسيّ. ولذا، حان الوقت أن تتقدّم بوصفها معبّرة عن هويّة ثقافيّة واحدة".

وقد اجتمع عامل قلّة العدد في حال العشائر القفقاسيّة مع كون الأقليّة غير متمركزة جغرافيّاً، في إضعاف مشاركتها في الحياة العامّة. وشرح رئيس تحرير مجلّة "التضامن" المعنيّة بشؤون الشركس والشيشان والداغستان رئيس نقابة الصحافيّين العراقيّين في كركوك الباحث محمّد حسين الداغستاني لـ"المونيتور" الوضع بقوله: "كانت عشائر القفقاس العراقيّة من الشركس والشيشان والداغستان ضحيّة تهجير قسريّ قامت به روسيا القيصريّة قبل 150 سنة، أيّ في عام ١٨٦٤، وتمّ إبعادها من الشمال القفقاسيّ إلى الأراضي التركيّة، وقام العثمانيّون بدورهم بتوزيعها على الأردن وسوريا والعراق".

أضاف: هذه المأساة "تجمعنا بأمور مشتركة مع أقليّات أخرى واجهت الإبادة مثل الأرمن الأرثوذكس، الذين نزحوا إلى العراق وبلدان أخرى، بعد إبادتهم على يدّ الأتراك في عام 1915. كما تجمعنا مع الإيزيديّين، الذين بدورهم تعرّضوا إلى سلسلة من الإبادات كان آخرها على يدّ تنظيم داعش في عام 2016".

ومن جهته، قال ممثل الشيشان في جمعيّة "التضامن" مازن عبد الرحمن: "هناك ثلاث مستوطنات معروفة للشيشان: الأولى في محافظة ديالى واسمها الحميديّة. ولقد سوّيت مع الأرض تماماً، ونجح السكّان الشيشان من الهرب منها، تاركين كلّ شيء للمسلّحين المتطرّفين الذين هاجموها في عام 2007. وهناك قرية رئيسيّة في ناحية العبّاسي بقضاء الحويجة في محافظة كركوك. كما توجد قرية ينكجة بابلان الشيشانيّة في قضاء طوزخورماتو التابعة لمحافظة صلاح الدين، ولا ننسى وجودهم في مدينة الفلّوجة بمحافظة الأنبار. إلاّ أنّنا لم نشهد وجود قرية أو مستوطنة للداغستان أو الشركس بسبب استقرارهم واندماجهم في مراكز المدن" .

وبحسب تقدير كتاو، فإنّ عددهم يفوق الـ15000 نسمة، وهناك إتّفاقاً بين ممثلي العشائر القفقاسيّة على أنّ الشيشان هم في المرتبة الأولى من حيث العدد، يليهم الداغستانيّون، وأخيراً الشركس.

أمّا على صعيد الثقافة واللّغة والعادات، فإنّ عدداً محدوداً من كبار السنّ في بعض العائلات القفقاسيّة ما زال يتحدّث باللّغات أو اللّهجات القفقاسيّة القوميّة، لكنّ هذا العدد يتناقص تدريجيّاً، ممّا سيؤدّي حتماً إلى نسيانها. وهناك عامل آخر يسهم في اندثار ثقافتهم ولغتهم يتعلّق بطريقة اندماجهم وعدم رغبتهم في التميّز عن محيطهم الإجتماعيّ، فهم عرب في المناطق العربيّة وأكراد في المناطق الكرديّة وتركمان في المناطق التركمانيّة. كما أنّ العائلات، التي كانت تقطن في مناطق ذات أغلبيّة شيعيّة، كانت تعتنق المذهب الشيعيّ، وكذلك بالنّسبة إلى المناطق السنيّة التي اعتنق فيها البعض المذهب الشافعيّ مثل الأكراد السنّة، والمذهب الحنفيّ مثل العرب السنّة.

إلاّ أنّ السنوات الطويلة من الاندماج لم تفلح في القضاء تماماً على ممارسة بعض التقاليد التي تعدّ من سمات المجتمع القفقاسيّ، كالحرص على تطبيق أعراف ومبادئ ما يطلق عليه "قانون أديغا خابزة"، الذي يوجب الالتزام بقيم الآباء والأجداد والتقاليد القفقاسيّة المتميّزة بطقوس الزواج والولادة والمناسبات الإجتماعيّة الأخرى. وما زال مطبخ العائلة الشيشانيّة أو الداغستانيّة أو الشركسيّة عامراً بالكثير من الأكلات والمقبّلات القفقاسيّة، التي تتولّى النساء إعدادها بمهارة، وهو ما يسعى ممثلو العشائر القفقاسيّة إلى الحفاظ عليه من خلال توحيد جهودهم في سبيل الوصول إلى مطالب موحّدة لجميع ممثلي الشركس والشيشان والداغستان في العراق.